الأربعاء، 7 مارس 2012

المصريون وتاريخهم القديم


     لن تجد شعبا يتنكر لأصوله الأولى مثلما فعل المصريون مع تاريخهم القديم . ولن تجد حضارة أذهلت العالم بتفوقها كحضارة المصريين القدماء . إن الآثار الباقية على أرض مصر لخير شاهد- لمن شحذت حواسه وارتقت ثقافته – على ما قدمته تلك الحضارة لتاريخ البشرية وتقدمها . وأول درس فى تاريخ الإنسان يتلقاه أطفال العالم هو عن أول حضارة عرفها الإنسان على ضفاف نهر النيل ، وهم فى عمرهم المبكر يعرفون عن تلك الحضارة ،ويستوعبون أدق تفاصيلها مما يغيب ليس فقط عن أذهان أبناء الوطن وإنما عن عديد من مثقفيه ومبدعيه .
إن هذا التنكر الغريب لتاريخ البلاد يفسره ذلك الأسلوب الذى يتعامل به المصريون مع آثار أجدادهم ،فهو أسلوب يتصف باللامبالاه ،بل والازدراء والتحقير والاستهانة . فى حين نجد الانسان المثقف الذى يقدر ما لتاريخ مصر القديم من عظمة وتفرد ، وما يحويه من مظاهر إعجاز بشرى يأتى من أقاصى الأرض متمعنا متفحصا فى كل رسم وأثر ،مستعينا بكتيب فى يده أودليل يقوده إلى بعض أسرار تلك الحضارة وعجائبها ،بينما قد اصابهم قلة الاكتراث بما تحويه بلادهم من كنوز أثرية ،فهى غريبة فى أرضها وبين أهلها ،وهم مقطوعوا الصلة بها ومفقودوا الإحساس بمدى أهميتها .
لقد حيل بين المصريين وبين تاريخهم القديم ،ووضعت عن عمد بينهم الحواجز والسدود ، وتم توجيههم نحو ارتباط تاريخى لمرام سياسية ، حين رفع شعار القومية العربية ،ومحى اسم مصر ذاته من الوجود ، وأصبحت ستة آلاف سنة من لإنجاز الحضارى والتقدم الإنسانى لاتمت إلى المصريين المعاصرين بأدنى صلة . وحين وصلت ابنتى إلى السنة الأولى الثانوية لم تكن قد تلقت شيئا يذكر عن تاريخ بلادها القديم وسيرة أجدادها الأوائل .وهناك أجيال عديدة نشأت فى ظل افتقاد لهويتهم الحقيقية كمصريين لهم أصول تاريخية موغلة فى القدم ، ولهم إنجاز حضارى هو مفخرة للبشرية جمعاء . ويلقى ذلك الموقف من تاريخ مصر القديم ضوءا على ظاهرة افتقاد الهوية الواضحة ،وتأرجح الانتماء وضبابيته عند معظم المصريين .
ودون افتئات على الحلقات الحضارية المتصلة التى تعاقبت على أرض مصر ،أو انتقاص من قدرها وقيمتها الحضارية ،أو إقلال من شأن دورها فى تكوين شخصية المصريين ،فإن أول درس فى الانتماء يجب أن نغرسه فى فؤاد أطفالنا هو ذلك الانتماء لحضارتهم المجيدة التى كانت انطلاقة البشرية نحو التقدم والتطور الإنسانى ،وأن نعمل على أن تكون تلك الحضارة جزءا من وعى المواطن المصرى وثقافته ، فربما كان إحساسه بهذا التميز – بالإضافة إلى الالتزام بالتطور التاريخى السليم للبلاد – عاملا من عوامل إحياء الهمة ، واستنفار الرغبة فى وصل ما فات وانقطع من عمل وجد وإبداع .
 
                                                                                          صبري منصور